Twitter Bird Gadget
لعبة المزرعة السعيدة لعبة الفراخ

الحل السحري



إنه ذلك الحل الذي ينتظره الجميع، وتلك الإجابة التي يظنون أنك قادر على أن تسقيهم إياها برشفة واحدة يسيرة، جُلهم ينتظر المنقذ والمخلص الذي يمتلك الحل ويعرف إجابة كل تلك الأسئلة الصعبة التي تحيط بنا.

نعم هي أسئلة صعبة، لا بد أولًا أن نعترف بذلك؛ فتلك هي بداية المشكلة حيث يضطر البعض لإنكار تلك الصعوبة، نظرًا للضغوط التي تمارس عليهم لإجبارهم على إيجاد الحل السحري السريع، ومن ثم يبحثون عن الوهم المعسول الذي يُغرقون فيه أتباعهم ومحبيهم بالتدريج، من خلال مخدرات فكرية وواقعية تمارس عليهم باستمرار، حتى تبدو الحلول التي يطرحها المفكر أو المنظر أو القيادي وجيهة ومنطقية في مواجهة تلك الأسئلة التي سهلتها تلك المخدرات والأوهام الفكرية.

لذلك لابد ابتداء من التخلص من تلك المخدرات الفكرية، التي يحرص البعض على بثها في عقول مريديهم، مصورين الأمور كلها سهلة وبسيطة، ومهونين من شأن المرحلة الحرجة التي نمر بها، وموهمين أتباعهم ومصدقيهم أن النصر أقرب إليهم من شراك نعالهم، لا بد من الإقلاع عن تعاطي تلك المخدرات الفكرية، والنظر إلى الواقع جيدًا، لا لنيأس أو لنحبط ونقعد باكين على اللبن المسكوب، فتلك ليست خيارات أصلًا؛ بل لنحسن العمل والتأثير في إطار المتاح والممكن والواجب، ولتتكامل الرؤى بغية الوصول لأقرب الحلول من خلال التفكير الجمعي ذي الوحدات المتواضعة المتعاونة، وليس من خلال المنقذ الأوحد الذي يمتلك كل الحلول والإجابات.

علينا أولًا التحرر من تلك الأطروحات الوهمية لنستطيع أن نُقَيِّم الواقع تقييمًا سليمًا، وأن ندرك ببساطة أنه لا حلول سحرية، وأنه ثمة فارق ليس بيسير بين التحليل والتوصيف من جهة، وبين إيجاد الحلول الناجعة والسبل النافعة التي تمكن المرء من حل تلك المعضلات المحيطة من جهة أخرى.

البعض للأسف تذوب لديهم هذه الفوارق، فإما أن يهونوا التوصيف لكي تسهل الأمور ويجدوا حلولا سحرية مخدرة لا علاقة لها بحل المعضلات الحالية التي لا يعترفون أصلًا أنها معضلات كما بينت في السطور السابقة، وإما أن يختاروا الاستسلام كحل واليأس كخيار، وذلك حين يعترفون أن الواقع صعب وأن الحياة صارت قاسية والخلاص صار مستحيلًا. وأحيانا يكون الإحساس باليأس خيارًا مريحًا، خصوصًا اليأس من التغيير وفقد الأمل في الإصلاح، وقد يلجأ البعض إلى هذا الخيار دون شعور منهم، وربما دون تصريح؛ لكن لسان حالهم وربما بعض مقالهم يصرخ بتلك المحصلة التي وصل إليها سعد باشا قبلهم حين قال: "ما فيش فايدة".

ولو أن المرء استطاع أن يميز بين التحليل والتوصيف من جهة، وبين إيجاد الحلول من جهة أخرى، وأن يفرق أيضًا بين إيجاد الحلول المؤثرة والمغيرة، وبين القيام بواجب الوقت حتى لو لم يكن فيه الحل الجامع والعاجل =لاستقرت نفسه ولاستطاع أن يجد له مكانًا سديدًا في ذلك الواقع القاسي.

حين يجيد المرء التوصيف ليفاجأ بقسوة الوضع الراهن قد لا يجد حلًّا عاجلًا يستطيع أن يجزم من خلاله بالإجابة الصحيحة، التي من خلالها تفك طلاسم تلك المعضلات الآنية والمعادلات الصفرية؛ لكن ما ينبغي عليه هو أن يعلم ويتذكر أنه على الرغم من تلك الصعوبات والمعضلات فإنه لم يزل مكلفًا بواجب مهم: واجب الإعذار إلى الله. والإعذار لا يشترط فيه أن يكون حلًّا آنيًا أو عاجلًا، والصدع بالحق على مدار التاريخ لم يكن دائمًا سبيلًا موصلًا لنهاية دنيوية سعيدة لمن قام به.

بل بمقاييس الدنيا كان الصدع بالحق والقيام بواجب الإعذار إلى الله في أحيان كثيرة طريقًا للاستضعاف والاضطهاد، وربما القتل بأبشع الوسائل من قِبَل من صُدع في وجوههم، وما كان صَلب السحرة وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وما كان قتل حبيب النجار مؤمن آل ياسين وغيره من الصادعين على يد قومهم، إلا نماذج خالدة توضح أن النجاة الدنيوية ليست شرطًا، ولو أن أصحاب الرسالة قد التفتوا لتثبيط المثبطين، وتخذيل المعوِّقين الذين لم يفرقوا بين التوصيف وبين التكليف، لما صنعوا شيئًا أمام معضلات واقعهم القاسية، ولكان مآل حالهم القعود واليأس، ولما اؤتمر بمعروف ولما نُهي عن منكر، ولما صُدع بحق أو أُبطل باطل.

لكن صاحب الرسالة يمضي في طريقه ولا يلتفت، ولا يُسلم أذنيه لأهل التثبيط والكسل واليأس والإحباط، وهو حين يمضي يضع نصب عينيه أمرين أساسين: أولهما: الإعذار إلى ربه والسعي لإرضائه. وثانيهما: الأمل في التغيير من خلال المتاح والممكن، ذلك الأمل الذي لا ينقطع وإن انقطعت الأسباب.

يظهر ذلك جليًّا في رد الناهين عن السوء في قصة أصحاب السبت، حين جاء المثبطون والمحبطون ليعوِّقوهم وليكسروا عزائمهم، زعمًا منهم أنه لا فائدة ترجى من صنيعهم، فكان الرد حاسمًا ساطعًا براقًا: "قالوا مَعذرةً إلى ربِّكُمْ ولعلَّهمْ يَنتهون" [الأعراف: 164]
فإن لم يستطع المرء برؤيته العاجلة وتحليله للحالة المعاصرة ظاهرًا أن يجد أثرًا لما يفعل في تغيير الواقع، فليس هذا معناه أن التكليف قد سقط عنه ذلك، لأن الله لم يتعبده بالنجاح والثمرة، ولكنه تعبده بغرس الفسيلة وإن لم ير نتاجها، وكفى بالمرء شرفًا أنه حاول وغرس واستفتح وأعذر إلى ربه. إنها تلك القيمة التي لخصها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها". حتى في ذلك الظرف الرهيب الذي تيقن فيه أنه لن يأكل منها فإنه مُكلف بالغرس، مُكلف بالنفع المتعدي طالما كان ذلك بيده.

ربما كان الأمر على سبيل المبالغة في الحث على غرس الخير؛ فإن زلزلة الساعة شيء عظيم، تذهل فيها المرضعة عما أرضعت، ومن باب أولى يذهل حامل الفسيلة عن غرسها؛ لكن المعنى واضح والقيمة ظاهرة، معنى غرس الفسيلة بغض النظر عن إدراك ثمرتها وصنع الخير دون انتظار نتائجه العاجلة، وقيمة تجاوز الآمال الضيقة والعاجلة والأعمار المحدودة، ومخالفة طبيعة التمحور حول الذات، والتفكير أحيانًا في أن هناك شيئًا يقال له العطاء، ولا يدري المرء لعل الله يسوق له ثمرة ذلك العمل من حيث لا يحتسب.

المهم أن يقوم العمل ويقع النفع، المهم أن تُغرس الفسيلة، وأن يحاول ويبذل ولا يتوقف ولا يتثاقل طويلًا في انتظار الحلول السحرية، ولا يستسلم للحسابات المادية التي لا ينكر أحد ممن تلقوا علمًا شرعيًّا أن في دين الله اعتبارًا لها، ولتقدير المصالح والمفاسد وللمآلات المتوقعة والنتائج المفترضة؛ لكن ما يُنكر هو المبالغة في ذلك، وتكلفه بشكل يؤدي إلى تحول الدين إلى تنازل مستمر أو استسلام على طول الخط.

ولو أن كل تضحية أقدم عليها إنسان وكل موقف شرف وعزة وقفه أهل الإسلام سبقته كل تلك الحسابات المادية المعقدة، والمعادلات المتكلفة، والمخاوف المزعومة، والمرجوات والمطامع المتوهمة، والشروط التعجيزية، والرؤى الانبطاحية -لما صدع بالحق صادع، ولما ثبت على مبادئه ثابت، ولما أمر بمعروف آمر، ولا نهى عن منكر ناهٍ، ولاختفت من تاريخ المسلمين كل مواطن العزة والإباء، ولاندثرت في نفوسهم معاني التضحية والفداء، ولصار على مر العصور أقصى أمانيهم ومنتهى أحلامهم أن يرحمهم عدوهم، وأن يُبقي على حياتهم ظالمهم.
لكن الله سلم وقيض للحق أناسًا، يبذلون في سبيله كل غالٍ ونفيس، ويقفون لنصرته في كل موطن شريف، حتى لو أنفقوا في سبيل ذلك أموالهم، وبذلوا أنفسهم التي كانوا قد أيقنوا من قبل ذلك أنها ثمن رخيص لسلعة غالية، وأن البيع رابح فالله هو من اشترى، ليس هذا معناه إهمال الأسباب، أو التقصير في البحث عن التأثير والإثمار، ورفض نصح الناصحين، وعدم اعتبار حرص الحريصين على الأفضل؛ لكنه فقط وضع للنقاط على الحروف، ونبذ للتخذيل والتثبيط وأهله.

إنه نبذ لعبادة الثمرات والنتائج، وتعلق القلب الدائم بالأسباب السهلة والحلول السحرية، والذي قد يورث يأسًا وإحباطًا واستسلامًا وقعودًا في انتظار معجزة خارقة؛ مما يؤدي إلى توقف جهد التغيير، نظرًا لاستبطاء النتائج والتقصير في الواجب العيني بسبب استصعاب التغيير العام، إنما يُلقي الصادقون عِصِيَّهم، ويصدعون بما يدينون به لله به، وهذا ما يجب ابتداءً، وبعده أو معه تكون محاولة البحث عن حلول حقيقية تحرك هذا الوضع التقليدي الكئيب وتزحزحه إلى الأفضل، وبدون حلول سحرية.

0 التعليقات :

جامعة دمياط

لعبة من سيربح المليون لعبة زوما