Twitter Bird Gadget
لعبة المزرعة السعيدة لعبة الفراخ

ماذا حدث للمصريين؟!



هذا السؤال هو عنوان كتاب للدكتور جلال أمين (هو الدكتور: جلال الدين أحمد أمين، عالم اقتصاد وأستاذ أكاديمي وكاتب ومفكر مصري، تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1955م, وشغل منصب أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس والجامعة الأميركية بالقاهرة، كما عمل أستاذًا زائرًا للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا. والده هو الكاتب والأديب المعروف أحمد أمين. من مؤلفاته: وصف مصر في نهاية القرن العشرين، عصر الجماهير الغفيرة، خرافة التقدم والتأخر) يرصد فيه التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري خلال نصف قرن من الزمان (خلال الفترة من 1945 إلى 1995) في مختلف النواحي الاجتماعية والثقافية وغيرها. [صدرت أول طبعة للكتاب عن دار الهلال، القاهرة: 1998م، وطبعته مكتبة الأسرة الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب: 1999م]

جولة عابرة بين الأسطر
يبدأ الكتاب بعرض بعض المشكلات التي يرصدها المتخصصون في المجالات المختلفة: السياسية والاجتماعية والدينية؛ فهناك تغيرات كبيرة طرأت على المجتمع في هذ الفترة بلا شك، دفعت العلماء إلى طرح العديد من النظريات حول أسباب هذه التغيرات.

فمنهم من يرى أن السبب الرئيس هو الانفتاح الاقتصادي في فترة السبعينيات من القرن الماضي، بينما يرى البعض أن السبب يعود إلى الهجرة للعمل في الدول "النفطية".

بينما يرى الكاتب أن هذه الأسباب تبدو قاصرة لتفسير هذه التغيرات، ويطرح تفسيرًا مبنيًّا على نظرية "الحراك الاجتماعي".

التعريف بالنظرية
يعرف علماء الاجتماع الحراك الاجتماعي (Social Mobility) بأنه: انتقال الأفراد من مركز إلى آخر، ومن طبقة إلى أخرى.

وهو على نوعين:
الحراك الاجتماعي الأفقي (Horizontal Mobility): وهو تحرك الأفراد والجماعات من مركز اجتماعي إلى آخر في نفس الطبقة.

والحراك الاجتماعي الرأسي (Vertical Mobility): وهو انتقال الأفراد من طبقة اجتماعية إلى طبقة اجتماعية أعلى وأرقى. [معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، الدكتور: أحمد زكي بدوي، طبعة مكتبة لبنان، الطبعة الأولى: 1977م]

من خلال هذ النظرية شرع المؤلف في رصد وتحليل بعضٍ من الظواهر الاجتماعية المختلفة.

فمثلًا: يرصد لنا المؤلف ظاهرة اقتناء "السيارة الخاصة"، متعجبًا من السلوك الاجتماعي الغريب في التعامل مع هذه المسألة. [ماذا حدث للمصريين، ص178]

ففي أوائل القرن الماضي كان الاعتماد كليًّا على المواصلات العامة، وكان اقتناء السيارة الخاصة مقصورًا على شريحة صغيرة جدًّا من المجتمع؛ فكان لا يقتنيها في العادة إلا الأثرياء، أو من حالت ظروفه الصحية دون استخدام المواصلات العامة، التي كانت تحظى باحترام كبير.

ومع مرور الأيام ظلت الشوارع كما هي، باستثناء الضواحي الجديدة، وازداد تعداد السكان بشكل كبير؛ فكان من المتوقع زيادة الاعتماد على المواصلات العامة، أو المواصلات الخفيفة؛ كالدراجة أو "الموتوسيكل"، لكن على العكس: زاد الاعتماد على السيارات الخاصة، حتى صار للبيت الواحد سيارة لكل فرد منها، وهذا أدى إلى تفاقم مشكلة التكدس المروري والزحام الخانق.

وبالتدريج تغيرت النظرة الاجتماعية نحو المواصلات العامة، فصارت محل ازدراء واحتقار، وصارت السيارة الخاصة علامة من علامات الوجاهة في المجتمع؛ بل صارت جزءًا محوريًّا في معادلة تقييم الإنسان مجتمعيًّا.

ومن هنا دخلنا في حلقة غبية مفرغة: يزداد الشعور باحتقار المواصلات العامة، فيزداد النفور منها، ويزداد الإهمال لها، ومن ثم يزداد الإقبال على السيارات الخاصة، فيزداد الضغط على الشارع ويزداد الاختناق، وهكذا.

ويبقى السؤال: هل نجح الكاتب بالفعل في تحديد أسباب هذه الظواهر والتغيرات؟

لقد نجح الكاتب بالفعل في إثارة التساؤل، كما نجح في رصد وتتبع بعض الظواهر، لكن في رأيي أن الأطروحة التي قدمها لتفسير تلك الظواهر والتغيرات ليست دقيقة.

قد تساعد نظرية "الحراك الاجتماعي" في تفسير جزء من الظاهرة، أو تفسير آلية إحداث التغيير في السلوك الاجتماعي، لكن أن تكون هي التفسير العلمي المقبول لكل جوانب الظاهرة =فهذا محل نظر.
على سبيل المثال: ظاهرة "ضعف اللغة العربية"[ماذا حدث للمصريين، ص155]، يفسرها المؤلف في ضوء نظرية "الحراك الاجتماعي"؛ حيث يطرح التصور: أن هذا الحراك أدى إلى صعود شرائح من المجتمع من الطبقات الدنيا إلى الطبقات الأعلى.
وهذا أدى بدوره إلى نشأة حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي، ووجود حالة من عدم الاطمئنان لدى هذه الشريحة الجديدة، فلقد وقعوا في ورطة اجتماعية كبيرة؛ فهم لم يحققوا ما حققه مَن هم أعلى منهم في السلم الاجتماعي، وفي نفس الوقت يسيطر عليهم هاجس السقوط نحو الطبقات الدنيا التي فروا منها بشق الأنفس؛ فولد هذا رغبة جامحة لإثبات الذات، وتثبيت الوضع الطبقي في المجتمع.

كل هذا دفع تلك الشرائح الجديدة إلى التطلع نحو "التغريب"، ونبذ الانتماء الأصلي للغة العربية، بل والثقافة العربية ككل، كمحاولة لإثبات الرقي والتدليل على الجدارة بهذا الوضع الاجتماعي الجديد.

وهذا الطرح -كما نرى- يصلح كتفسير جزئي للظاهرة، ولكن لا يصلح كنظرية شمولية تجمع أطراف المشهد المتشابكة؛ فهناك بُعد أهم في تحليل وتفسير الظاهرة, وهو البعد الديني؛ فضعف التمسك بالدين، وضعف الثقافة الدينية، وإهمال التعليم الديني، تشكل ملامح هذا العامل الحيوي، الذي يعد بالفعل العامل الرئيس لضعف الاهتمام بلغة الدين، اللغة العربية.

كما أن غلبة التيار "التغريبي" على الثقافة، والتيار "التخريبي" على التعليم، من الأسباب التي لا يستطيع الباحث غض الطرف عنها عند تناول هذه الظاهرة من منظور شمولي.

ومن الظواهر أيضًا التي فسرها الكاتب في ظل نظرية "الحراك الاجتماعي": ظاهرة ما أسماه "التعصب الديني ضد الأقليات" [ماذا حدث للمصريين، ص81] والتي رصد فيها المؤلف حالات العنف تجاه الأقليات الدينية في المجتمع.

وبغض النظر عن صواب التوصيف من عدمه، فالذي يهمني هو مناقشة التفسير الذي قدمه المصنف للظاهرة؛ فنفس التحليل السابق سحبه المؤلف هنا على ظاهرة العنف وغياب التسامح الديني؛ حيث كان الانتقال الطبقي هو السبب في حالة عدم الاستقرار الاجتماعي، الذي دفع بدوره أفراد هذه الشرائح دفعًا نحو إثبات الذات، كل هذا رسخ في أبناء هذه الشرائح الرغبة العارمة في الإحساس بأن لهم "قيمة" في هذا المجتمع؛ فوجدوا هذه "القيمة" في التمسك الشديد بظواهر الدين، مع الاستعلاء على الآخرين بهذه المكانة الدينية، وهذا أدى بدوره إلى غياب ثقافة التسامح، وازدياد النفور من "الآخر"، الذي ترتب عليه هذه الحوادث الطائفية.

و لا يخفى على أي متابع أو محلل أن هذا تبسيط مخل لظاهرة معقدة؛ فهذا التحليل قد يكون صحيحًا في حق مجموعة من الأفراد؛ لكنه لا يرقى إلى مستوى النظرية العامة التي تفسر هذا التغير المجتمعي الخطير.

فليس صحيحًا أبدًا أن التمسك بالدين هو مجرد هروب من واقع اجتماعي، كما يحلو لكثير من أنصار التغريب وأصحاب الاتجاهات المتباينة (الليبرالية واليسارية) أن يفسروا "ظاهرة التدين"!

كما أنه ليس صحيحًا أبدًا أن التمسك بالدين يعنى التعصب ضد الآخرين؛ بل العكس هو الصحيح، كما لا يخفى على أي مطلع على تعاليم هذا الدين الحنيف، حتى و لو كان اطلاعه سطحيًّا أو عابرًا، وليس صحيحًا أن غياب التسامح مقصور على طائفة دون طائفة!
و التناول لهذه الظاهرة يحتاج إلى بحث مفصل ليس هذا موضعه.

نحو مزيد من التغير
لقد نجح الكتاب بالفعل في إثارة السؤال: ماذا حدث للمصريين؟!
والظواهر المرصودة غطت حيزًا زمنيًّا طويلًا نسبيًّا؛ لكن مع مرور ما يقرب من عقدين على تلك الفترة محل البحث طرأت على المجتمع تغيرات أكثر، ولعلها أكبر وأخطر من تلك التي رصدها الكتاب.
فحاليًا نستطيع أن نرصد بوضوح ازدياد انكماش مساحة التسامح، وتقبل المخالف، مع ازدياد مضطرد في رقعة التعصب، والرفض للمخالف على طول الخط.

الصراعات السياسية والتماوجات الثورية أفرزت نمطًا جديدًا على السلوك الاجتماعي؛ حيث صارت الاشتباكات الفكرية التي تتطور إلى معارك حقيقية، ظاهرة مألوفة ومبررة تحت غطاء التغير التاريخي الجديد؛ بل وتعدى الأمر مرحلة الاشتباك الفكري إلى الاشتباك البدني، مع استسهال هذه الآلية في التعامل مع الخصم.

هذه الظاهرة هي من أخطر الظواهر التي مرت بالمجتمع على الإطلاق؛ فتحويل المجتمع إلى معسكرات متحفزة هو أول خطوة نحو الاحتراب الداخلي، والتفتيت. ومن آثار ذلك بروز سلوكيات شاذة على النسيج المصري: كالسادية، والعنصرية, وغيرها. (السادية: نسبة إلى المركيز "دي ساد" (Marquis de Sade) الذي كتب في القرن الثامن عشر عن المتعة الجنسية عن طريق إيلام الآخر، ولم تعد السادية مقصورة في الطب النفسي على مجرد الانحراف الجنسي، بل صارت تعبر عن انحراف نفسي لدي الشخص الذي يشعر باللذة مع آلام الآخرين. [معجم مصطلحات الطب النفسي ص166، طبعة مركز تعريب العلوم الصحية،بتصرف] والعنصرية (أو العرقية): هي الاعتقاد بأن العرق هو العامل الأكثر فعالية في تكوين السمات والمواهب البشرية، وأن الفروق العرقية تولد امتيازًا فطريًّا عند عرق بعينه. وأعني به هنا: تقسيم المجتمع على أساس الانتماء الفكري أو الأيديولجي أو السياسي، والتفاضل بناء على هذه التقسيمات. [الموسوعة الميسرة للمصطلحات السياسية: د/ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي])

أضف إلى هذا: الانفتاح المجتمعي الرهيب كنتيجة لدخول عصر العولمة الثقافية، من خلال أدوات الاتصال الحديثة؛ كالهاتف المحمول، والشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، والفضائيات، وما أعقبه من انفلات مجتمعي خطير، في السلوكيات والأخلاق.

وبالطبع تمثل التغيرات السياسية والاقتصادية العالمية المستجدة عاملًا لا يستهان به في التأثير المجتمعي.

كل هذه العوامل وغيرها أفرزت سلوكيات وتغيرات جديدة وخطيرة جديرة بالبحث والمتابعة، وتحتاج إلى تضافر الجهود البحثية على مختلف المستويات: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية؛ لرصد وتحليل هذه التغيرات الخطيرة، كخطوة تشخيصية تعقبها الخطوات الإصلاحية المطلوبة.

0 التعليقات :

جامعة دمياط

لعبة من سيربح المليون لعبة زوما